بمشيئة الله وتوفيقه نكمل حديثنا عن تكرار التاريخ لنفسه وحقا.........ما اشبه الليلة بالبارحة
أعلن أحد السلاطين أنه تخلى عن عدن، وأن أهلها أحرار يحلون أمورهم بأنفسهم! - وهو الذي كان يعدُّ عدن جزءاً من أرضه -، فأصبحت عدن وحدها أمام البرتغاليين.
- أعلن «ياسين» أن لأهل عدن حكومة خاصة، وأنه على استعداد للاعتراف بالكيان البرتغالي، وبذلك أصبحت هناك حكومتان؛ إحداهما لأهل عدن المشردين، والأخرى للبرتغاليين ولهم الجزء الأكبر من عدن!!
- استمر هذا الوضع حتى جاء العثمانيون عام 945 هـ وطردوا البرتغاليين من المنطقة.
- وقف أهل عدن يفكرون بالدور الذي مارسه «ياسين» عليهم؛ منهم من قال بقي «ياسين» يغالط علينا حتى وصل بنا إلى ما كنا نخشاه، ووافق على كل هذه الحلول التي كنا نرفضها، أعطيناه القيادة ليبيع قضيتنا، ليبيع أرضنا، ليبيعنا. بعدها بدؤوا يبحثون عن أصله ولكن.. فات الأوان.
- أما أعوانه فيقولون: إن الطرق كلها مسدودة، والحلول التي طُرحت قد أجهضت أو أخفقت، وليس أمامنا سوى ما تم.
ما أشبه الليلة بالبارحة!! »(1).
بعد عرض أحداث هذه القصة نورد هذه التعليقات المهمة:
1- تشبه هذه القصة بأحداثها ما يحدث في واقعنا المعاصر؛ مما يدل على تشابه مخططات أعداء الإسلام عبر التاريخ في محاربة هذه الأمة، وصناعة العملاء الذين يكون لهم الدور الأهم في هذا العداء.
كما تبين القصة استمرارية هذا الصراع، وأنه لا يهدأ أبداً وإن اختلفت صوره؛ فإنهم كما قال - تعالى -: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217].
2- بيان حال المسلمين عند بعدهم عن دينهم الذي هو مصدر عزتهم؛ إذ يصيبهم الضعف والوهن، ويتمكن أعداؤهم منهم؛ مما يؤدي إلى تشتتهم في البلاد لاجئين، أو وقوعهم تحت عصا الذل وسيف الإرهاب في بلادهم على يد أعدائهم، هذا كله بسبب تنكبهم لطريق الهداية في كل زمان.
3- بيان حال حكام المسلمين الذين هم إما صنيعة الأعداء أو عملاء مخلصون لأسيادهم؛ بسبب عبوديتهم للمال والسلطة والمصلحة، فهم لا يهمهم مصلحة أوطانهم، ولا حماية ديار المسلمين، ولا الذود عن الإسلام؛ المهم عندهم هو كراسيهم وعروشهم حتى لو تعاونوا مع أعدائهم. وهذه صورة لما يحدث في كل زمان على يد بعض هؤلاء الحكام العملاء.
4- مدى السذاجة التي تتصف بها بعض الشعوب المسلمة؛ سواء مع حكامهم أو مع أعدائهم؛ حيث يكونون مغيبين لا وعي عندهم ولا دور لهم في الأحداث، هذا سببه في المقام الأول هو البعد عن مصدر العزة الأساسي ألا وهو الإسلام، فالمسلمون عند تمسكهم بدينهم يكون لديهم استعداد للجهر بالحق، ولا يكون للكافرين عليهم سبيلاً، أما عند بعدهم عن دينهم فهم أذل الخلق وأهونهم؛ لا يهمهم إلا إتيان الشهوات، يتلاعب بهم أعداؤهم وهم لا وعي عندهم بما يجري من أحداث.
5- لا يستطيع الزعماء والحكام والسلاطين العملاء أن يتحكموا في رقاب الناس إلا بخداعهم وغشهم، وتغييب وعي الناس عن طريق وسائل إعلامهم في كل عصر، فمن مَدْحٍ للزعيم وتضخيم لدوره، إلى شتم للأعداء أحياناً، إلى دعوة للسلام.. هذا كله لتغييب الشعوب وخداعها.
6- صناعة الزعماء: وهذا أهم هذه التعليقات، فهذه القصة توضح بجلاء كيفية صناعة الزعماء، وهذا ديدن أعداء الإسلام في كل زمان، فهم يختارون شخصية نفعية لا تحب إلا مصلحتها وتعشق السلطة والمال، ثم يحاولون صناعته عن طريق إبراز دوره وتضخيم أعماله، فيحدث التلميع لهذه الشخصيات حتى تصير زعماء، وهذا هو الدور الخطير الذي تمارسه وسائل الإعلام، وهكذا تم صناعة ياسين وغيره قديماً.
وحديثاً: عندما رحل الاحتلال عن بلاد المسلمين ترك خلفه صنائع هي من صنع يديه، وحتى يُمَكِّن لها قام بتلميعها وتضخيم دورها حتى تكون هي الزعامة.. وفقط، فهذا «الزعيم الملهم»، وذلك «القائد»، وذلك «الغازي»، وذلك «الرئيس المؤمن».. هكذا صنعوا أتاتورك، وسعد زغلول، وجمال عبد الناصر، وياسر عرفات.. وغيرهم ممن تحكموا ويتحكمون في رقاب المسلمين، هكذا استطاع أعداء الإسلام إنتاج صنائع لهم وعملاء ووكلاء يؤدون ما يُطلب منهم؛ في جميع المجالات وليس في السياسة فقط. وهذه القصة صورة مصغرة لطريقة تكوين الزعماء والأبطال والفاتحين المزورين؛ فكم من مرة حولوا الجهاد لصالحهم، وسرقوا الثورات والانتصارات؟! وكم من مرة تاجروا بقضايا المسلمين؟!
إن ما يحدث الآن في القضية الفلسطينية والدور الذي كان يقوم به «ياسر» هو الدور نفسه الذي كان يقوم به «ياسين»، فكم من «ياسين» صنعوه، وكم من نصر سرقوه؟!
حقاً.. ما أشبه الليلة بالبارحة!